الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
ذكر المؤلف في هذا الباب آيتين:
*الأولى: قوله تعالى: (يظنون). الضمير يعود على المنافقين، والأصل في الظن: أن الاحتمال الراجح، وقد يطلق على اليقين، كما في قوله تعالى:
قوله: (ظن الجاهلية). عطف بيان لقوله: (غير الحق)، و(الجاهلية): الحال الجاهلية، والمعنى: يظنون بالله ظن الملة الجاهلية التي لا يعرف الظان فيها قدر وعظمته، فهو ظن باطل مبني على الجهل.
والظن بالله - عز وجل- على نوعين:
الأول: أن يظن خيرا.
الثاني: أن يظن بالله شرا.
والأول له متعلقان:
1. 1. متعلق بالنسبة لما يفعله في هذا الكون، فهذا يجب عليك أن تحسن الظن بالله - عز
وجل- فيما يفعله -سبحانه وتعالى - في هذا الكون، وأن تعتقد أن ما فعله إنما هو الحكمة بالغة قد تصل العقول إليها وقد لاتصل، وبهذا يتبين عظمة الله وحكمته في تقديره، فلا يظن أن الله إذا فعل شيئا في الكون فعله لإرادة سيئة، حتى الحوادث والنكبات لم يحدثها الله إرادة السوء المتعلق بفعله، أما المتعلق بغيره بأن يحدث ما يريد به أن يسوء هذا الغير، فهذا واقع، كما قال تعالى:
2. 2. متعلق بالنسبة لما يفعله بك، فهذا يجب أن تظن بالله أحسن الظن، لكن بشرط أن يوجد
لديك السبب الذي يوجب الظن الحسن، وهو أن تعبد الله على مقتضى شريعته مع الإخلاص، فإذا فعلت ذلك، فعليك أن تظن أن الله يقبل منك ولا تسيء الظن بالله بأن تعتقد أنه لن يقبل منك، وكذلك إذا تاب الإنسان من الذنب، فيحسن الظن بالله أنه يقبل منه، ولا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لا يقبل منه.
وأما إن كان الإنسان مفرطا في الواجبات فاعلا للمحرمات، وظن بالله ظنا حسنا، فهذا هو ظن المتهاون المتهالك في الأماني الباطلة، بل هو من سوء الظن بالله، إذ أن حكمة الله تأبى مثل ذلك.
النوع الثاني: وهو أن يظن بالله سوء، مثل أن يظن في فعله سفها أو ظلما أو نحو ذلك، فإنه من أعظم المحرمات وأقبح الذنوب، كما ظن هؤلاء المنافقون وغيرهم ممن يظن بالله غير الحق.
قوله:
الأول: رفع اللوم عن أنفسهم.
الثاني: الاعتراض على القدر.
وقوله: (لنا): خبر مقدم.
قوله: (من شيء): مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
قوله:
قوله: (إن الأمر) واحد الأمور لا واحد الأوامر، أي: الشأن كل الشأن الذي يتعلق بأفعال الله وأفعال المخلوقين كله لله - سبحانه، فهو الذي يقدر الذل والعز والخير والشر، لكن الشر في مفعولاته لا في فعله.
قوله:
قوله: (ما قتلناها هنا). أي: في أُحد، والمراد بمن (قتل): من استشهد من المسلمين في أُحد، لأن عبد الله بن أُبي رجع بنحو ثلث الجيش في غزوة أحد، وقال / أن محمدا يعصيني ويطيع الصغار والشبان.
قوله:
وهذا الاحتجاج لا حقيقة له، لأنه إذا كتب القتل على أحد، لم ينفعه تحصنه في بيته، بل لابد أن يخرج إلى مكان موته، والكتاب قسمان:
1. 1. كتابة شرعية، وهذا لا يلزم منها وقوع المكتوب، مثل قوله تعالى:
2. 2. كتابة كونية، وهذه يلزم منها وقوع المكتوب كما في هذه الآية، ومثل قوله تعالى:
قوله:
وقد حصل الابتلاء والتمحيص في غزوة أُحد بدليل أن الصحابة لما ندبهم الرسول[البخاري: كتاب المغازي / باب
قوله:
وقوله:
* * *
* الآية الثانية قوله تعالى:
ومنه ما نقله المؤلف عن ابن قيم رحمها الله: أنهم يظنون أن أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيضمحل، وأنه لا يمكن أن يعود، وما أشبه ذلك؟
قوله:
قوله:
قوله:
ومنهم من قال: المراد بغضبه الانتقام.
ومنهم من قال: المراد إرادة الانتقام. قالوا: لأن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
فيجاب عن ذلك: بأن هذا هو غضب الإنسان، ولا يلزم من التوافق في اللفظ التوافق في المثلية والكيفية، قال تعالى:
قوله: {ولعنهم}. اللعن: الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
قوله:
قوله: {وساءت مصيرا}. أي: مرجعا يصار إليه.
و{مصيرا}: تمييز، والفاعل مستتر، أي: ساءت النار مصيرا يصيرون إليه.
قال بن القيم في الآية الأولى: (فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته.
* * *
قوله: (قال ابن القيم). هو محمد ابن قيم الجوزية، أحد تلاميذ شيءخ الإسلام ابن تيمية الكبار الملازمين له رحمهما الله، وقد ذكره في (زاد المعاد) عقيب غزوة أحد تحت بحث الحكم والغايات المحمودة التي كانت فيها.
قوله: (في الآية الأولى). يعني قوله
ففسر بما يكون طعنا في الربوبية وطعنا في الأسماء والصفات، فالطعن في القدر طعن في ربوبية الله - عز وجل -، لأن من تمام ربوبيته ـ عز وجل ـ أن نؤمن بأن كل ما جرى في الكون فإنه بقضاء الله وقدره، والطعن في الأسماء والصفات تضمنه الطعن في أفعاله وحكمته، حيث ظننا أن الله تعالى لا ينصر رسوله وسوف يضمحل أمره، لأنه إذا ظن الإنسان هذا الظن بالله، فمعنى ذلك إن إرسال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبث وسفه، فما الفائدة من أن يرسل رسول ويؤمر بالقتال وإتلاف الأموال والأنفس، ثم تكون النتيجة أن يضمحل أمره وينسى؟ فهذا بعيد.
ولا سيما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هو خاتم النبيين، فإن الله تعالى قد أذن بأن شريعته سوف تبقى إلى يوم القيامة.
قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح).
وخلاصة ما ذكر ابن القيم في تفسير ظن السوء ثلاثة أمور:
الأول: أن يظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، فهذا هو ظن المشركين والمنافقين في سورة الفتح، قال تعالى:
الثاني: أن ينكر أن يكون ما جرى بقضاء الله وقدره، لأنه يتضمن أن يكون في ملكه سبحانه ما لا يريد، مع أن كل ما يكون في ملكه فهو بإرادته.
الثالث: أن ينكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليه الحمد، لأن هذا يتضمن أن تكون تقديراته لعبا وسفها، ونحن نعلم علم اليقين أن الله لا يقدر شيئا أو يشرعه إلا لحكمة، قد تكون معلومة لنا وقد تقصر عقولنا عن إدراكها، ولهذا يختلف الناس في علل الأحكام الشرعية اختلافا كبيرا بحسب ما عندهم من معرفة حكمة الله - سبحانه وتعالى -.
ورأي الجهمية والجبرية أن الله يقدر الأشياء لمجرد المشيءئة لا لحكمة، قالوا: لأنه لا يسأل عما يفعل، وهذا من أعظم سوء الظن بالله، لأن المخلوق إذا تصرف لغير حكمة سمي سفيها، فما بالك بالخالق الحكيم؟
قال تعالى:
والمعتزلة على العكس من ذلك، يقولون: لا يقدر إلا لحكمة، ويفرضون على الله ما يشاؤون، وقد ذكر صاحب (مختصر التحرير) الفتوحي رحمه الله: أن المسالة قولين في المذهب.
ولكن الصواب بلا ريب أنه لا يفعل شيئا ولا يقدره على عبده ولا يشرع شيئا إلا لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد والشكر.
قوله:
[ص:27] (ويل): مبتدأ، وساغ الابتداء بالنكرة: للتعظيم، وخبر المبتدأ: {للذين كفروا}، والجار والمجرور {من النار} بيان لويل، وفي هذا دليل على أن كلمة (ويل) كلمة وعيد وليست كما قيل: واد في جهنم، ولهذا نقول: ويل لك من البرد، ويل لك من فلان، ويقول المتوجع: ويلاه، وإن كان قد يوجد واد في جهنم اسمه ويل، لكن ويل في مثل هذه الآية كلمة وعيد.
قوله: {وأكثر الناس}. أي: من بني آدم لا من المؤمنين يظنون بالله ظن السوء، أي: العيب فيما يختص بهم، كما إذا دعوا الله على الوجه المشروع يظنون أن الله لا يجيبهم، أو إذا تعبدوا الله بمقتضى شريعته يظنون أن الله لا يقبل منهم، وهذا ظن السوء فيما يختص بهم.
قوله: (فيما يفعله بغيرهم). كما إذا رأوا أن الكفار انتصروا على المسلمين بمعركة من المعارك ظنوا أن الله يديل هؤلاء الكفار على المسلمين دائما، فالواجب على المسلم أن يحسن الظن بالله مع وجود الأسباب التي تقتضي ذلك.
قوله: (ولا يسلم من ذلك). أي: من الظن السوء.
قوله: (إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده). صدق رحمه الله، لا يسلم من ظن السوء إلا من عرف الله - عز وجل - وماله من الحكم والأسرار فيما يقدره ويشرعه، وكذلك عرف أسماءه وصفاته معرفة حقة لا معرفة تحريف وتاويل.
ولهذ حجب المحرفون والمؤولون عن معرفة أسماء الله وصفاته، فتجد قلوبهم مظلمة غالب، تحاول أن تورد الإشكالات والتشكيك والجدل، أما من أبقى أسماء الله وصفاته على ما دلت عليه مثل هذه الاعتراضات التي ترد على قلوب أولئك المحرفين، لأن المحرفين إنما أتوا من جهة ظنهم بالله ظن السوء، حيث ظنوا أن الكتاب والسنة دل ظاهرهما على التمثيل والتشبيه، فأخذوا يحرفون الكلم عن مواضعه وينكرون ما أثبت الله لنفسه، ولهذا قال شيءخ الإسلام ابن تميمة: إن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.
أما كون كل معطل ممثلا، فلأنه إنما عطل لكونه ظن أن دلالة الكتاب والسنة تقتضي التمثيل، فلما ظن هذا الظن السيء بنصوص الكتاب والسنة أخذ يحرفها ويصرفها عن ظاهرها، فمثلا أولا، وعطل ثانيا، ثم إنه إذا عطل صفات الله تعالى خوفا من تشبيهه بالموجود، فقد شبهه بالمعدوم، وأما كونه كل ممثل معطلا، فلأن الممثل عطل الله تعالى من كمال الواجب حيث مثله بالمخلوق الناقص، وعطل كل نص يدل على نفي مماثلة الخالق للمحلوق.
وعلى هذا، فالذي عرف أسماء الله وصفاته معرفة على ما جرى عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، وعرف موجب حكمة الله، أي: مقتضى حكمة الله، لا يمكن أن يظن بالله ظن السوء.
وقوله: (موجب). موجب، بالفتح: هو المسبب الناتج عن السبب بمعنى المقتضي، وبالكسر: السبب الذي يقتضي الشيء بمعنى المقتضي، والمراد هنا الأول.
فالذي يعرف موجب حكمة الله وما تقتضيه الحكمة، فإنه لا يمكن أن يظن بالله ظن السوء أبدا، وتلاحظ الحكمة التي حصلت للمسلمين في هزيمتهم في حنين وفي هزيمتهم في أُحد، فإن في ذلك حكما عظيمة ذكرها الله في سورة آل عمران والتوبة، فهذه الحكم إذا عرفها الإنسان لا يمكن أن يظن بالله ظن السوء، وأنه أراد أن يخذل رسوله وحزبه، بل كل ما يجريه الله في الكون، كمنع الإنبات والفقر، فهو لحكمة بالغة قد لا نعلمها، ولا يمكن أن يظن أن الله بخل على عباده، لأنه - عز وجل - أكرم الأكرمين، وعلى هذا فقس.
قوله: (اللبيب). على وزن فعيل، ومعناه: ذو اللب، وهو العقل.
ولو فتشت من فتشت، لرأيت عنده تعنتا على القدر ولامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك، هل أنت سالم؟
قوله: (بهذا). المشار إليه هو الظن بالله - عز وجل - ليعتني بهذا حتى يظن بالله ظن الحق، فلا ظن السوء والجاهلية.
قوله: (وليتب إلى الله). أي: يرجع إليه، لأن التوبة الرجوع من المعصية إلى الطاعة.
قوله:(وليستغفره). أي يطلب منه المغفرة، واللام في قوله: (فليتب) وقوله: (وليستغفره) للأمر.
قوله: (تعنتا على القدر وملاء مة له). أي: إذا قدر الله شيئا لا يلائمه تجده يقول: ينبغي أن ننتصر، ينبغي أن يأتي المطر، ينبغي أن لا نصلب بالجوائح، وأن يوسع لنا في هذا الرزق وهكذا.
قوله: (فمستقل ومستكثر). (مستقل): مبتدأ، وخبره محذوف.
و(مستكثر): مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: فمن الناس مستقل ومنهم مستكثر، ونظير ذلك قوله تعالى:
قوله: (وفتش نفسك: هل أنت سلم). وهذا ينبغي أن يكون في جميع المسائل مما أوجبه الله، فتش عن نفسك: هل أنت سالم من التقصير فيه؟ ومما حرمه الله عليك: هل أنت سالم من الوقوع فيه؟
قوله: (فإن تنج منه تنج من ذي عظيمة). (تنج) الأول فعل الشرط مجزوم بحذف الواو، (تنج) الثانية جوابه مجزوم بحذف الواو.
قوله: (من ذي عظيمة). أي: من ذي بلية عظيمة.
قوله: (وإلا، فإني لا إخالك ناجيا). التقدير، أي: وإلا تنج من هذه البلية،فإني لا إخالك ناجيا.
ومعني إخالك: أظنك، وهي تنصب مفعولين: الأول هنا الكاف، والثاني ناجيا.
***
فيه مسائل:
* الأولى: تفسير آية آل عمران. وهي قوله تعالى:
* الثانية: تفسير آية الفتح. وهي قوله تعالى:
* الثالثة: الإخبار بأن ذلك أنواع لا تحصر. أي: ظن السوء، والذي أخبر بذلك ابن القيم رحمه الله، وضابط هذه الأنواع أن يظن بالله ما لا يليق به.
* الرابعة: أن لا يسلم من ذلك إلا من عرف الأسماء والصفات وعرف نفسه. أي: لا يسلم من ظن السوء بالله إلا من عرف الله وأسمائه وصفاته وموجب حكمته وحمده وعرف نفسه ففتش عنها، والحقيقة أن الإنسان هو محل النقص والسوء، وأما الرب، فهو محل الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه.
إن ظن السوء ينافي كمال التوحيد، وينافي الإيمان بالأسماء والصفات، لأن الله قال في الأسماء:
* * *
مجموع فتاوى و رسائل
المجلد العاشر
محمد بن صالح العثيمين
|